الخميس، 29 ديسمبر 2011

رسالة الي المجلس العسكري سؤال اجباري

رسالة الي المجلس العسكري

انفعالا بموضوع التعبير الاجباري علي طلبة الصف الاول الثانوي فى اللغة العربية، فى كتابة رسالة الي المجلس العسكري نشكره علي حماية مصر رغم ماتعرض له من اهانات رايت ان كتابة هذه الرسالة فعلا اجبارية علي كل مصري، و علي الرغم من ان الرسالة الحقيقية يمكن ان تتحول الي تلغراف بسيط في عدة كلمات و هي " يسقط يسقط حكم العسكر" بس انا بصراحة عايز اخد الفول مارك فى التعبير و اكتب الموضوع بضمير وعلشان كدة ابداء رسالتي :

يا مجلس العار، يا كدابين، يلي ايديكم ملوثة بدماء الشهداء، يلي عملته فى الشعب المصري والثوار اسواء من اللي عامله مبارك، كيف تنامون؟، كيف تنظرون الي ابنائكم و زوجاتكم كل يوم ، والعار و الخزي يملئكم؟ الا تشعروا بالخجل؟ هل ماتت ضمائركم الي هذا الحد؟ لقد دهست مدرعة الجيش المصري مئات الابرياء امام ماسبيرو، فى مظاهرة سلمية ولم يحاكم احد؟ وهو سؤال فعلا ساذج، من سيحاسب من؟ وانتم الذين اصدرتم اوامراكم بقتل الابرياء من هذا الوطن وانتم مكلفون بالدفاع عنه.

لقد قام جنودكم علي مدي خمسة ايام بقتل المتظاهرين امام شارع محمد محمود و انتم تتفرجون، سعداء بكل دم طاهر يسيل لانه مصري سكت صوته الي الابد، و لن يصرخ فى وجهكم القبيح، بانكم خونة و فاشلون.

ثم قام جنودكم بمزيد من القتل و السحل لمزيد من الابرياء فى شارع القصر العيني، وانتم تضحكون وسعداء بكل قدم تدهس مصري، وتاملون معها ان تدهس كرامة كل مصري، وتذرع الخوف وتحطم اماله بالحرية.

ثم تخرجون الينا اراجوزاتكم الاعلامية الفاشلة، بعين باردة وقحة، تكذب و الحقيقة عارية، تتهمون الاخرين و انتم مذنبون، تبثون سموم الفتنة و انتم من زرعتوها، تريدون ان تروا الخوف في اعين المصريين و انتم تترعشون بداخلكم.

لقد سقطت الاقنعة ونزعنا وجه مبارك لنري ١٢ مبارك اخر، يؤمنون بما يؤمن و يفعلون ما يفعل، دماء الشهداء التي سالت هي الكابوس الذي سيطاردكم الي الابد، انه العار الذي سيلحقكم مهما طال الزمن، لم يعد احد يصدق انكم حماة الثورة، انها اكذوبة تهاوت مع كل طلقة رصاص اطلقت و كل طوبة حدفت و مع كل عصاة هوت عل جسد مصري كل مع فعل هو انه صرخ بجرائمكم

ماتفتكروش ان الناس سكتة علشان مصدقين الاكاذيب والتهم التي تلقونها الان علي كل من يصرخ فى وجهكم بانكم مجرمين و كدابين وخونة و انكم ابدا لم تكونوا مع الثورة، بل يعلم الكثيرون ان كل ماتهدفون اليه هو قتل الثورة والثوار و حماية انفسكم و الاموال التي نهبتمهوها ايام مبارك، وتتطبون عل مبارك و العادلي فى محاكمات صورية، وتشغلون القوي السياسية باكاذيب عن الديموقراطية، علي امل ان تملئ اكاذبيكم اسماع و اذهان المصريين، فيصبحون كالنعاج يملئهم الخوف من مؤامرات خارجية مزعومة، وانهيار وهمي للدولة، فلا يصرخون فى وجهكم بالحقيقة التي ترتعشون منها، بانكم وجه اخر للحكم السلطوي العسكري الفاشل، وايديكم ملوثة بدماء المصريين.

سترحلون يامجلس العار قريبا، سترحلون.

يسقط يسقط حكم العسكر.



الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

موت الفقراء شارل بولدير


*
إنه الموت الذي يعزّي واحسرتاه
وهو الذي يحملنا على الحياة
إنه غاية الحياة والأمل الوحيد
الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا
ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية
عبر الإعصار والثلج والجليد
هو الضوء المتموّج في آفاقنا السّود
إنه الفندق الذائع الصيت
الذي يوفر الطعام والراحة والنوم
إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية
الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة
ويسوي مضاجع الفقراء والعراة
هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي
وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم
إنه الرواق المفتوح على الآفاق
المجهولة...
*
ترجمها عن الفرنسية
حنّا الطيّار
جورجيت الطيّار



الأحد، 18 ديسمبر 2011

ليه الجيش بيعمل كدة؟



ليه الجيش بيعمل كدة؟

وبصراحة لازم نقول الجيش مش بس المجلس العسكري علشان ناس كتيرة فى الاعلام تقعد تقولك الجيش حاجة و المجلس العسكري حاجة تانية، و دي اول كدبة صدقنها او عايزين نصدقها، الناس نفسها ان تفصل بين الدور السياسي الذي يقوم به المجلس العسكري و الجيش ولكن الحقيقة انهم جزء لا يتجزء و نسيج واحد وقادة المجلس العسكري هم بالفعل قادة الجيش و جنودهم بتلتزم باومراهم، مشكلتنا اننا بنتعامل علي عكس هذه الحقيقة، الجيش و المجلس كيان واحد ولاانفصال بينهم باي صورة من الصور.
المقدمة دي مهمة جدا لفهم ليه الجيش بيعمل كدة؟ ليه حصل عنف فى ماسبيرو وسقط ضحايا؟ ليه عمل كدة فى مجلس الوزارء و سقط ايضا ضحايا فى اقل من شهر، لفهم هذه الاحداث يجب النظر الي طريقة عمل الجيش و طريقة تسلسل القيادة فى الجيش و طرق اتخاذ القرار، ومصادر المعلومات لدي الجيش، فهم ده، هيوضح ازاي الاحداث العجيبة اللي بنشوفها قدامنا دي بتحصل.

الحقيقة ان المجلس العسكري لديه اقتناع راسخ ومؤكد ان هناك عناصر مدسوسة تعمل علي زعزعة استقرار مصر و جرها الي مواجهات بشكل او باخر و ان الناشطين السياسين مدفوعين باجندات اجنبية بشكل او باخر، وتاكد هذا المعني فى الاتهام الصريح الذي وجه اللواء الرويني الي حركة ٦ ابريل بتلقي بتمويل اجنبي، و علي الرغم من تبرئة القضاء للحركة، الا انه سارع المجلس بتاكيد ان التحقيقات مازالت مفتوحة!
من المؤكد ان مصدر هذا الاعتقاد الراسخ لدي المجلس العسكري واعضائه له مايبرره، من وجهة نظرهم، ربما تكون مصادر هذه المعلومات المخابرات العسكرية او المخابرات العامة او الامن القومي، وقد صرح اعضاء فى المجلس انه سيتم نشر المعلومات فى الوقت المناسب، الذي يبدو انه لن ياتي ابدا.

هذه التقارير هي مصدر هذا الاعتقاد الذي يترسخ كل يوم اكثر و اكثر لدي اعضاء المجلس العسكري، وهذه هي اكبر مصيبة فى التعامل مع الاحداث، فعلي الرغم من انني لا اعلم محتوي هذه التقارير ولا مدي دقتها او صدقها، فاني علي يقين بان من اعتصموا عند المجلس الوزراء و المتظاهرين فى ماسبيرو و محمد محمود ليس لهم اجندات و ليسوا جزء من مخططات اجنبية لهدم مصر، انهم شباب وشابات و رجال ونساء و اطفال من شعب مصر، يملئهم غضب مكتوم يكبر كل يوم و من كل طبقات الشعب و طوائفه ويتوجهون للتعبير عن غضبهم الي الشارع لاسباب مختلفة، يجمعهم شعور عام بان الثورة لم تحقق اهدافها، و يشعرون ببطء اتخاذ القرار و التخبط وساعات كتيرة بينزلوا تعاطفا مع الثوار لما بيسمعوا انهم اتقتلوا و اتضربوا، علشان عارفين ان لول هؤلاء القلة الثائرة، لما كان فيه امل في بكرة.

عدم قدرة المجلس علي فهم هذاالغضب الشعبي المكتوم، واصراره الشديد علي ان كل من يتوجه فى اعتصام او مظاهرة هو مدفوع باجندة خارجية و غير وطني هو سبب رئيسي لحدوث هذه المواجهات الدامية المستمرة، وعدم تغير هذه الصورة و الانطباع لدي قادة المجلس العسكري له اسبابه، و السبب الرئيسي هو طريقة عمل الجيش كمنظومة، فقادة الجيش لا يستقون معلوماتهم من الفيس بوك و التويتر او الاعلام، كل ده مالوش لازمة فى نظرهم، او علي اقل تقدير لا ينفع كمصدر معلومات موثقة من وجهة نظرهم، فهم يستقون معلوماتهم " الموثقة" فى نظام تسلسلي قيادي، يصدر تقاريره عن الاحداث.

وده يفسر بطء اتخاذ القرار و التحرك الذي يشوب اداء المجلس العسكري، فهو دائما فى انتظار هذ التقارير العسكرية الامنية، لاتخاذ قراره، والتصرف علي ضوء مافيها، من يكتب هذه التقارير؟ الصف الثاني من القيادات قى الجيش لم يتغير بالطبع، ونشيء واتربي فى حضن مبارك، ومن الصعب تصور تعاطفهم مع الثورة وومطالبها، او الثوار و احلامهم، فايام مبارك كانت رائعة لهم، والانسان بطبعته يكره التغيير، غير انه اتعود انه يشرب وياكل احترام القيادات، فما بالك بمبارك القائد الاعلي للقوات المسلحة، هذه الكراهية الدفينة للثورة استطيع ان اجزم انها تغلف الكثير ممن ينتمون للجيش، و من الصعب تصور انهم قادرون عل كتابة تقارير محايدة او ناقلة بصدق لما يحدث علي الارض.

اضف الي ذلك رغبتهم فى حماية انفسهم و زملائهم من الجيش من اي نقد او تسجيل اخطاء قد تضر بيهم، وده يفسر بشدة ان يصرخ الجميع من الصور و الفيديوهات التي تملاء الانترنت، وبها جنود و عساكر و ظباط يحملون اسلحة نارية، ثم يصدر تصريحات لايعقلها عاقل تقول ان الجيش مكانش معاه سلاح!

يصرخ الجميع بان الشهداء يسقطون و بعدين تصريحات مستفزة بان الجيش لم يستخدم القوة فى فض الاعتصام هذا الازدواج و التناقض الشديد بين ما يحدث فى الواقع وتقارير الجيش هو نتاج طبيعي لكيفية عمل الجيش و تسلسل نقل المعلومات بداخله.

للاسف الشديد سنظل فى هذه الدائرة المفرغة من واقع مفزع علي الارض يسقط فيه ضحايا و دماء وسحل و انتهاك لحرمات الناس وبين صورة اخري مغايرة تماما يتم نقلها داخل الجيش و قيادته عن شباب خائن و له اجندات ويعتدي علي افراد الجيش و هو يقوم بواجبه، لن ينتهي هذا الوضع ابدا، اذا لم تستوعب قيادات المجلس العسكري حقيقة الواقع الذي يجري فى الشارع وادراك كم الغضب الشعبي المكتوم من ناس ليس لديها اجندات.

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

واحد منيا قصة قصيرة

واحد منيا
واحد المنيا
المنيا يا باشا؟
منيا منيا
فى ضوضاء موقف سيارات الميكروباص القريب من ميدان المنيب بالجيزة، تختلط مئات الأصوات، كانها خلفية موسيقية من الأزيز المستمر، مع قليل من التركيز تستطيع ان تميز كل صوت علي حد، فصوت مواتير الميكروباص الديزيل الدائر له صوت تكتكة مستمرة مميزة، والعشرات من آلات التنبيه مرتفعة الصوت تكاد تخرق أذنيك، واصوات النداء المستمر من الحميلة الذين يقومون بالنداء بأعلي اصواتهم بأسماء مدن وجه قبلي المختلفة، سمالوط و ابوقرقاص و مغاغة ، ويختلط ذلك باصوات المئات من البشر الذين يملئون الموقف، يتحدثون، يصرخون، يضحكون وتكاد تسمع صوت حركتهم المستمرة الغير المنتظمة فى كل اتجاه، و تكتمل الخلفية بصوت الباعة الجائلين يملئون جنبات الموقف بصياح مستمر على بضائعهم المتنوعة.

لموقف الميكروباص رائحة مميزة، يمكنك ان تشعر بها من علي بعد عدة أمتار و انت تقترب من الموقف، رائحة عادم السيارات ممزوجة برائحة عرق بشر يتحركون، رائحة نافذة تصل الى انفك علي الفور، ولكنك سرعان ما تعتادها حين تصبح رائحتك جزء من هذ الخليط العجيب من الروائح.

الأضواء الخافتة التى تضئ الموقف تنبعث من اربع لمبات متفرقة علي أعمدة حديدية يدوية الصنع، اما اعمدة إضاءة الشارع فتقف ذليلة منطفئة، ما عدا عامود إضاءة واحد يقف جاهدا محاربا الإهمال، يرسل نبضات إضاءة متقطعة من لمبة تريد ان تحترق، و بالكاد تضيء هذه الانوار مدخل الموقف ومخرجه، ليغط باقي الموقف فى ظلام دامس تخترقه ظلال حركة سيارات الميكروباص وأضواء كشافتها من حين الى اخر.

وقفت اسماء بجانب كشك نجمة المنيب القريب من مدخل الموقف، تراقب الميكروباص المتجه الي المنيا باهتمام، وفي يدها زجاجة سفن اب خضراء لم تشرب منها شيء، انها تشعر بامان اكثر وهى بجانب الكشك المضيء بدعاية شركات الشيبسي والمشروبات الغازية، لقد أوشك الميكروباص على ان يكتمل العدد، فبامكانها ان تميز ان الكنبة الخلفية قد امتلئت بالفعل بثلاث أشخاص، رجل عجوز يلبس جلباب ازرق، اخرج ذراعه بالكامل من شباك الخلفي و بجانبه شاب لم تستطع ان تميز ملامحه من الظلام و امتلئ الكرسي الاخير بما يبدو انه طفلة صغيرة.

"انا باكره الكنبة اللي ورا فى اخر العربية، بتخبط جامد فى المطبات" فكرت اسماء في ذلك وهى تدقق النظر فى الكنبة الصغيرة التالية، انها مكانها المفضل و لكنها بالفعل ممتلئة بشابة فى متوسط العمر ترتدي بلوزة ملونة بألوان زاهية وبجانبها سيدة اكبر فى السن على مايبدو انها أمها، تحتضن شنطة بلاستيكية بحرص شديد.

ربنا يكون مع اللي هايركب فى الكرسي اللي جانبهم فهو من أسواء الكراسي التى في الميكروباص، فهو كرسي بيتفتح و بيتقفل و غير مريح علي الاطلاق و خصوصا فى سفرية طويلة زي دي. ابتسمت اسماء باهتة و قررت ان تنتظر ان يمتلئ هذا الكرسي ثم تتحرك الي الميكروباص علي امل ان تلحق بالكرسي الذي خلف السائق مباشرة.

و في حركة عفوية نظرت اسماء الي موبايلها، لتري ان هناك من يتصل بها، و علي ما يبدو انه في هذه ضوضاء لم تسمع رنة الموبايل و ردت اسماء علي الفور

" أيوة يا بابا، ازيك"

أيوة يا اسماء ركبتي و لا لسة؟
لسه يا بابا ان مستنية الميكروباص، وهايتحرك بعد شوية انشاء الله

طب يلا قوام ده الساعة داخلة عل تمانية و انتي لسه ما تحركتيش، كان ايه لازمته السفر المتأخر ده

ما انا قولتلك يا بابا، كان لازم أجيب المذكرات دى من عند لمياء صاحبتي علشان اذاكر فيها فى الإجازة دي ان شاء الله و أتاخرت فى السكة قوي

طب يلا اسماء انا و امك قلقانين عليكي قوي، و كلمينا اول ماتبقي فى اول الطريق

حاضر يا بابا، حاضر

و سمعت اسماء صوت أمها بجانب والدها و هى تصيح، هي لسه ماركبتش كل ده؟ معقولة التأخير ده كله؟

و قررت اسماء ان تسرع بانهاء المكالمة تفاديا لمزيد من الحوار

طب ان حاقفل باه يابابا، علشان رصيدك ما يخلصش، سلام، سلام

و اغلقت اسماء موبايلها ونظرت الي الميكروباص مجدد، وفوجئت بانه علي وشك الامتلاء، وان الكرسي التى كانت تامل ان تركب فيه قد امتلئ بالفعل برجل فى متوسط العمر يرتدي نظارة طبية، ويدخن بشراهة، والإسواء انه وضع علي الكرسي الذي بجانبه شنطة ضخمة، ملفوفة بحبال خضراء، ولم يتبق سوي الكرسي الذي بجانب باب الميكروباص،

ياه ده كرسي ضايع، انا حاخليه يشيل الشنطة وأقعد فى المكان ده باي شكل،

ووضعت اسماء زجاجة المياه الغازية في صندوق الفوارغ و تحركت بخطي سريعة الي الميكروباص، و مرت بأقدامها علي أرضية الموقف اللزجة من شحوم وزيوت السيارات، غير مكترسة بما سيتركه ذلك من اثار على ملابسها، يجب ان تركب هذا الميكروباص باي شكل.

حضرتك ممكن تنزل الشنطة دي لوسمحت او تحطها علي الشبكة؟

نظر اليها الرجل من خلف دخان سيجارته بلامبالة، وقال بلهجة صعيدية ثقيلة انا دافع فيها أجرة، مش عايزها علي الشبكة

ازاي ياعني؟ الشنطة تقعد و انا مااقعدش؟

ماهو الكرسي دهو فاضي اهو

نظرت اسماء بحسرة الي الكرسي الوحيد المتبقي، كرسي متعب جداً فى رحلة زي دي....

و كنت علي وشك الاعتراض مجددا حين تدخل المنادي بصوت جهوري، كتركبي و لا ايه يا أبلة؟ في ناس وقفة مستنية

و نظرت اسماء لتجد شاب يقف خلفها، ينتظر انتهاء هذا الحوار، ليعلم اذا كان له مكان في الميكروباص ام لا، و اتخذت اسماء قرارها بالركوب و أمرها الي الله

و اغلق المنادي باب الميكروباص بقوة، و هو ينادي يلا يا صلاح أتكل علي الله، كامل عدد يا أسطي...

وتحرك الميكروباص أخيرا فى طريقه الى المنيا، وتحسست اسماء حجابها وتأكدت من عدلته و تمتمت دعاء الركوب بصوت خافت، اهاي كلها ثلاث ساعات استحملها بالطول ولا بالعرض، ونظرت فى غيظ الى الشنطة البلاستيكية الممدة بجانبها و شعرت انها تكاد تخرج لها لسانها فى استهزاء.

و تحرك الميكروباص من زحام الموقف متجها الي طريق الصعيد الغربي ، ولم تمض دقائق و صاح السائق: الاجرة يا أساتذة

وبدء الجميع فى اخراج الاجرة، وصاح الرجل العجوز من الخلف بصوت أجش متكسر، معاك فكة خمسين جنيه يا اسطي؟

ونظر سائق الميكروباص الي الخلف في لمحة سريعة ثم توجه بحديثه الي اسماء

معلش ممكن تلمي انتي الاجرة يا ابلة؟

ولعنت اسماء في سرها وقالت هو انا اللي كمان حالم الاجرة؟ وايه حكاية ابلة ده يا أخوانا ده انه لسه طالبة جامعية

و لم ينتظر الركاب موافقة اسماء او رفضها، اذا قامت الفتاة الجالسة خلفها بمد يدها بمبلغ مائة جنيها وهى تقول اتنين من الماية لو سمحتي

الحمد الله على الاقل ماقلتليش يا ابلة هي كمان و مدت اسماء يدها وأخذت الفلوس وبدءت مناوشات جمع الاجرة من الركاب وحساب الباقي و هي عملية بسيطة لو كل واحد كان عامل حسابه وجايب فكة على اد الاجرة، المشكلة كله جاي يفك فى الميكروباص.

و تاملت اسماء تركيبة ركاب الميكروباص، سبحان الله الميكروباص ده فيه من كل الأعمار، الراجل العجوز اللي وراه يجي بتاع سبعين سنة، و الشاب اللي جانبه عنده يجي خمسة و عشرين و معه اخته ماتزيدش عن ستة سنين.

والبنت اللي ورأيا تجيلها فى الثلاثينات كدة و أمها ماشية فى الخمسينات ام الراجل ابوشنطة، انا بصراحة حاسميه ابو قفة لانه هو شبه القفة فعلا، و خنقنا بالسجائر بتاعته، يجي فى الأربعينات كدة.

ونظرت اسماء الي الامام لتستكمل بحثها الميداني عن إعمار راكبي الميكروباص، حينما سمعت صرخة الشاب الجالس بجانب السائق، صرخة عالية فزعة " حاسب يا اسطي ، حاسب يااسطي!"

وخطفت عين اسماء اضاءة قوية من الامام ثم ارتطام قوي دفعها الي الخلف بقوة شديدة، وسمعت صوت التواء الحديد وصرير فرامل ، ورائحة احتراق قوية ثم صرخات فزع اخري كثيرة، اصابتها بالرعب والخوف، وفؤجئت بسقف الميكروباص يلامس رأسها، وأرجلها لم تعد تلمس الارض، وحاولت اسماء ان تستوعب ماحدث فى هذه الثواني القليلة، لكنها شعرت بالم شديد فى ذراعيها ورأت الدماء تسيل من حولها.

لقد اصطدم الميكروباص بسيارة نقل بمقطورة، وجها لوجه، وفى محاولة يائسة من السائق لتفادي سيارة النقل قام بالأنحراف بقوة، لينقلب الميكروباص مرتان، متحولا الي كتلة من الحديد الممزوجة بالأعضاء البشرية، قبل ان يسكن عل جانب طريق القاهرة الصحرواي الغربي.

و توقفت السيارات، وتجمهر السائقين فى محاولة لإخراج الاحياء تعالت الصرخات " حد يكلم الإسعاف يا ناس" "ياساتر يارب يا ساتر"

حينما لم تتصل اسماء كما وعدته شعر ابو اسماء بالقلق الشديد وازداد قلقه حين حاول الاتصال بها ووجد المحمول مغلق و نظر فى ساعته ووجد انها تشير الي العاشرة مساء و نظر الي زوجته قائلا

انا مش حاقدر أستني اكتر من كدة ان قلبي متوغوش

و توجه ابو اسماء عالفور الى جاره ابومحمد الذي يمتلك سيارة أجرة

انا قلقان قوي اسماء مراجعتش لغاية دلوقتي، وطالعة من مصر من الساعة تمانية، انا عايز اطلع على الطريق أشوفها

ما تقلقش كدة يا ابو اسماء ربنا يجبيهلك بالسلامة، انا دقيقة و حالبس، استناني قدام العربية

ولم يتاخر ابو محمد بالفعل وانطلق الاثنان الي الطريق فى صمت، و لم يتوقف ابواسماء عن قرأة القران طوال الطريق، و حين شاهد موقع الحادثة وحطام الميركوباص و سيارة النقل علي جانب الكريق، لم يجد ما يقوله سوي لا حول و لاقوة الا بالله، لا حول ولا قوة الا بالله

و توجه ابو اسماء فى لهفة الى عسكري المرور الواقف بجانب حطام الميكروباص وسئل فى صوت مرتعش

هى الناس اللي كانوا جواه ودهوم علي فين؟

ونظر العسكري اليه فى تعاطف شديد، ودهوم علي مستشفي المنيب فى مصر يا حاج من يجي ساعة، مافيش حد طلع عايش، دي حدثة موت يا حاج

وخر ابو اسماء على قدميه، عاجزا عن الحركة و استند علي ذارع جاره الذي قال فى صوت قلق

وحد الله يا عبد الحميد، مين قالك بس ان اسماء كنت راكبة هنا

قلبي الل بيقولي، قلبي المقبوض هو اللى حاسس

طب يلا بينا علي المستشفي

و فى مدخل المستشفى توجه ابو اسماء الى قسم الطوارئ فى لهفة، و قابلهم الترمجي بهدوء،

انتوا جايين علشان الحادثة؟

أيوة يا بني وحياتك طمنا

تعال وراي يا حاج، و توجه التمرجي الى ممر خلفي و تبعه ابواسماء وجاره فى عجلة، وزادت رائحة المستشفى النافذة من المطهرات والبنج القوية، شعورهما بالانقباض الشديد و الغثيان

انت واخدنا عل فين يا بني

علي المشرحة يا حاج

وفتح التمرجي باب المشرحة، ليرى ابو اسماء مالايقل عن عشرة جثث مغطاة، موضوعة على الارض، و اقترب من الجثث و هو يقول انت بتدور علي مين حاج؟

و صرخ ابو اسماء في صوت متحشرج: بنتي بنتي اسماء عندها اربع و عشرين سنة اربع و لم يعد ابو اسماء قادر علي ان ينطق بمزيد من الكلمات

و اقترب التمرجي من الجثة الاولي وهو يقول دي لراجل كبير فى السن، واللي هناك دي بتاعة طفلة صغيرة، ودول بتوع شباب علي رجالة
واللي هناك دي بتاعة واحدة ست تعال قرب كدة يا حاج

واقترب ابو اسماء و ارجله تكاد تخونه فى كل خطوة يقترب بها من التمرجي، الذي أزاح الغطاء البلاستيكي عن وجه الجثة الراقدة بلا حياة، هى دي بنتك يا حاجة؟

ونظر ابو اسماء في فزع الي وجه الجثة، و صرخ لا دي مش بنتي، دي مش اسماء

وانفرجت اسارير التمرجي و هو يقول يبقى بنتك عايشة يا حاج، ان شاء الله بنتك عايشة، فى حالتين نقلهوم الفرنساوي عايشين، هم ماجابوش هنا غير الي ماتوا يا حاج، اصل الموت ما بيفرقش يا حاج، اصل الموت ما بيفرقش.