الاثنين، 18 مارس 2013

لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ

كالعادة حوار شيق و ممتع بالامس، و لكن اخشي ان الوقت و المكان لم يكونوا كافيين لتوضيح الامور كما يجب، و اخشى ان تضيع امور هامة دون توضيح، او ان يكون هناك لبس في فهم ما قلته و لذلك اكتب الملاحظات الاتية:

اتذكر ان بداية الحديث كانت عند سؤال عن قدسية ابوبكر الصديق في الدين الاسلامي و ذلك في معرض الحديث عن الشيعة واختلافتنا معهم في ما يخص تقديس الصحابة و هذا ما دفعني للسؤال عن هل امرنا الله في " الاسلام" ان نميز محمد عليه الصلاة و السلام في ايماننا به عن باقي الرسل؟ وارجو ان لا نخلط ذلك بسؤال اخر و هو "هل محمد عليه الصلاة و السلام مميز عن باقي الرسل؟ "

و الاجابة علي فضل الرسل يوضحها لنا القران بوضوح:
بسم الله الرحمن الرحيم
"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ"
اذن هناك تفضيل للرسل فيما خصهم الله من فضله، كما توضح الاية، فكان فضل الله علي موسي ان كلمه الله، و كان فضل الله علي عيسي ابن مريم بان ايده بروح القدس.

لا جدال اذا هنا في ان هناك رسل فضلها الله بما يري من تفضيل كما نري انه خص محمد عليه الصلاة و السلام بان امرنا ان نصلي عليه كما في الاية:
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"

و يتاكد بذلك الاجابة علي السؤال الثاني و هو ان الله فضل الرسل بعضهم عن بعض بما يشاء و ان من فضل الله علي محمد عليه الصلاة والسلام ان يصلي عليه بالدعاء الذين امنوا كما يصلي الله سبحانه و تعالي و الملائكة عليه، وهذا فضل و مقام عظيم، فاللهم صلي علي سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام.

ولكن كما سترى ان هذا التفضيل يختلف كلية عن التمييز فيما امرنا ان نؤمن به عن الرسل و عن محمد عليه الصلاة والسلام وتتبقي الاجابة علي السؤال الاول هل امرنا الله ان نميز الرسول عليه الصلاة و السلام في ايماننا به عن باقي الرسل؟

و الاجابة واضحة في عدة مواقع في صورة البقرة:
" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"

لا نفرق بين احد من رسله... لا نفرق بين احد من رسله.. ارجوك ضع تحتها الف خط و ما هي صفة هؤلاء الذين " لا يفرقون بين رسل الله؟" انهم المؤمنون.. اذا يكتمل ايمانك بالله حين تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وان لاتفرق بين احد من هؤلاء الرسل باي صورة من الصور، "فلا نفرق" كلمتان واضحتان لا لبس فيهم، فالتفريق هنا تفريق محبة فانا احب سيدنا ابراهيم بنفس مقدار محبتي لسيدنا محمد عليه الصلاة و السلام و اؤمن بان عيسي عليه السلام رسول الله بنفس ايماني بان محمد عليه الصلاة و السلام رسوله و اصلي علي سيدنا محمد بمقدار ما اصلي علي باقي الانبياء، كما نقول في التشهد " كما صليت علي سيدنا ابراهيم" مثلا

فالمساواة في ايمانك ونظرتك ومحبتك بشكل متساوي برسل الله ، جزء من اركان الايمان بالله سبحانه و تعالي، فقد ارسلهم الله لنا ليخرج البشرية من الظلمات الي النور، فهم وسيلة للوصول الي الله و معرفته بالدرجة الاولي.

ان هذه النظرة الشاملة لرسل الله و الايمان بالله سبحانه وتعالي وباليوم الاخر و الثواب و العقاب و اسلام النفس الي الله، الخالق البارئ المصور، كما يوضح الله لنا في سورة المؤمنون هي نظرة الأمة الواحدة التي تؤمن برسالة الرسل جميعا، التي تقودنا الي الايمان بالله و العمل بهذا الايمان

يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
"وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون"

فالاية هنا لا تتحدث عن امة "المسلمين" ممن امنوا بمحمد عليه السلام وفقط، عالاطلاق فسورة المؤمنين و الايات السابقة لهذه الاية تتحدث عن الرسل كافة من نوح عليه السلام الي عيسي ثم يوضح الله ان هذه هي "الامة" الامة التي اسلمت نفسها اللي الله و امنت به عبر العصور و الازمنة ، امة رسل الله كافة، التي امنت بالله و عملت بايمانها.

ويتاكد هذا المعني ايضا في صورة الانبياء بقول الله:

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ

فامة "الاسلام" ليست هي امة من امنوا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام وفقط و لكن امة الاسلام هي الامة الاشمل و الاعم التي "اسلمت" نفسها الي الله و امنت برسله ورسالته عبر العصور لا تفرق في ايمانها بهؤلاء الرسل، فهي تدرك انهم وسيلة ارسلها الله رحمة بالناس، برسالة التوحيد و الايمان به خالق السماوات والارض ، ورسالة البعث يوم القيامة و الحساب .

ويتاكد هذا الوصف في عدة ايات و في في عدة مواقع عبر ازمنة محتلفة تماما:
فابراهيم عليه السلام وصى بالاسلام لبنيه:
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون
فهاهو يعقوب عليه السلام يوصي ابنه ب "الاسلام" قرون طويلة قبل بعثة محمد عليه السلام

وقالها الحوارييون لعيسي عليه السلام:
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
وقالها الحواريون مع انهم " اهل كتاب" يشهدون بانهم "مسلمون"

وهنا تتاكد اشارة الله سبحانه و تعالي الي الاسلام الاعم و الاشمل الذي اوضحته الايات السابقة في قوله في صورة ال عمران:

قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

ومن يبتغ غير "الإسلام" دينا هو الاسلام الشامل لرسالات الانبياء و الرسل الذين ارسلهم الله الي البشرية، ليسلموا انفسهم له بايمانهم به و يعملوا بايمانهم هذا الصالحات يبغون وجه الله و يرجون رحمته و يخشون يوم الحساب و البعث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق