الخميس، 19 أبريل 2012

الشيخ احمد

الشيخ احمد
الله اكبر الله اكبر
اشهد أن لا اله إلا الله

انتفض الشيخ احمد مذعورا على صوت الإقامة يأتي قويا من ميكروفون المسجد، فالأول مرة يغفو في صلاة الفجر و لا يستيقظ في الميعاد المناسب لأداء الصلاة، جلس الشيخ احمد على طرف سريره يستمع بانتباه إلى صوت الإقامة، ياترى مين اللي بيقيم الصلاة مكاني؟
ده بينه صوت الواد حسين ابن الحاج اسماعيل ما هو طول عمره نفسه يستشيخ فيها و يؤم الناس، ما هو من ساعات ما ابوه راح الحج و هو فاكر نفسه باه بيفهم فى الدين والفتاوى.

حى على الصلاة
حى على الصلاة

استند الشيخ احمد على طرف السرير و قام و هو اكثر تركيزا مع صوت الاقامة ...لأ لأ ده بيانه الاستاذ انور استاذ التريبة الرياضية اللى ساكن اخر الشارع هو صوته ده كان لازم اعرف من الأول ما هو جالى كذا مرة و يقولى صوتى حلو ما تخلينى أذن مرة أكسب ثواب فى الناس.. وده صوت يكسب ثواب ده ده حتى محشرج و مغلق يدوبك ينفع يزعق بيه واحد اثنين لطلبة بتوعه.

حي على الفلاح
حي على الفلاح

والله الواحد احتار ده ممكن برضه يكون صوت الواد سيد الدمياطى . بس ده ماله ده و ماله الصلاة؟

تحرك الشيخ احمد بسرعة الى الحمام و هو يتمتم ياعنى كان لازم تروح على نومة ياعنى؟ امال فين الملايكة مصحتنيش ليه و لا دى خدمة صعبة الواحد يطلبها بعد سنين من الخدمة فى الدين و الجامع؟

بدء الشيخ احمد الوضوء فى عجالة و انطلق الى الجامع مسرعا مرتديا ما يرتديه يوميا فى ذهابه الى الجامع جلبابه التقليدي الأبيض و العمامة الحمراء التي كان يعتز بها الشيخ احمد كثيرا فالعمامة هى التى تعطى الفارق الحقيقي بين الرجل العادي و رجل الدين مثله فهي العمامة التي يفخر بها و تشعره بأنه ذو سلطة و يسعد كثيرا بنظرات الجميع إليه بانبهار و احترام و اجلال و في خوف أحيانا
و ربما كانت تعوض أيضا عقدة النقص التي لديه فالشيخ احمد ليس شيخا بالمعنى المفهوم فهو ليس أزهريا و لم يدرس الدين بشكل واضح بصورة أكاديمية في اى فترة من فترات حياته. فالشيخ احمد خريج كلية الزراعة جامعة القاهرة و قد دفعه أبوه الحاج سامي إلى دراسة الزراعة على أمل إن يجد له وظيفة في وزارة الزراعة حيث كان يعمل طوال عمره كمشرف على مزارع الوزارة.

و لكن احمد اثبت فشله الذريع في كلية الزراعة حيث استمر لأكثر من ثمان سنوات بدون أمل في أن يجتاز البكالوريوس كما تمنى أبوه الحاج سامي و تنقل احمد في عدد من الوظائف إلى أن توفى والده منذ ثلاث سنوات.
و كانت وفاة والده هي بداية طريقه إلى أن يصبح الشيخ احمد، حيث كان والده يؤم المصلين في مسجد اهلى أسفل عمارة على ناصية الحارة. و كان أبوه الحاج سامي رجل فاضل و محبوب بين اهالى الحارة و ربما كان هذا السبب انه لم يعترض احد على إمامة الشيخ أحمد لهم فى الصلاة مكان والده.
فهو موجود في المسجد باستمرار وصوته معقول و حافظ قران كويس، كلها كانت أسباب كافية لان يستمر و يتحول خلال عام من احمد ابن الحاج سامي، طالب الزراعة الفاشل إلى الشيخ احمد إمام المسجد،الذي يتحدث معه الجميع بإجلال و إكبار عظيم احتراما لقدسية وظيفته.

و للحق فقد انتظم الشيخ احمد فى اداء وظيفته الجديدة بكل اخلاص حيث اصبح المسجد هو كل حياته، يذهب بانتظام الى كل صلاة، حتى صلاة الجمعة اصبح يخطب فيها باستمرار، و لم يعد احمد يبحث عن وظيفة فقد اصبح المسجد وظيفته، يعيش علي ما يجود به اهل الخير من حين الي اخر، ووجد انها كافية لكي يعيش من خلالها حياة معقولة ولم يرغب فى اكثر من ذلك ولعل اهم ما حدث له هو نظرة الناس اليه، فهم يقصدونه لفتاوي متنوعة فى حياتهم الخاصة يستشيرونه و يثقون بما يقوله لهم، إحساس لا يقاوم ان تشعر ان الناس بحاجة إليك، و يستمعون الى آرائك بثقة و اهتمام و لم يجد احمد صعوبة فى ان يفتي الناس و يجيب علي أسئلتهم، فهى متكررة فى معظم الأحوال، و بشراء مجموعة من الكتب الدينية كانت كافية ان يشعر بالثقة فى مايقوله الى كل سائل و ازدادت ثقته بنفسه يوما بعد يوم، لقد اصبح احمد يشعر بكل ثقة انه فعلا الشيخ احمد. و لما لا؟ فالدين ليس حكرا علي دارسي الازهر و الأوقاف، الدين لمن يعطي له وقته و حياته.

و دخل الشيخ احمد إلى المسجد، و هو فى عجالة شديدة، و فضول شديد ان يعرف من أم الناس مكانه؟
و كالعادة فى صلاة الفجر لا يزيد العدد عن خمسة او ستة مصلون و قد اصطفوا بالفعل خلف الإمام المجهول، وركز الشيخ احمد فى ظهر الإمام على أمل أن يتعرف عليه، دون جدوى، انه شخص طويل القامة،
و تردد الشيخ احمد ثم ... وقف في الصف.. لأول مرة... يصلى خلف إمام .. كواحد من المصلين..
الله اكبر
و قد تخيل الشيخ احمد انه سيستطيع أن يتعرف على الإمام من صوته...و لكنه فوجئ بأنه صوت يسمعه لأول مرة...
و شعر الشيخ احمد بالغضب... كيف يقف هو بجلبابه الأبيض.. و عمامته الحمراء رمز الشياخة و الأصالة و الدين ليصلي خلف شخص لا يعرفه.؟ لا يعرف مدي فقه وورعه؟
شعر الشيخ احمد بالغضب و الإهانة أن يقف بنفسه.. هكذا فى الصف مع باقي المصلين...
ياترى بيقلوا إيه دلوقتى علي؟ راحت علي نومة؟ نسيت ميعاد الصلاة مثلا...
ده كلام ده...
ادى أخرتها فعلا... بعد سنين.. من الخدمة ... يحصلي كدة...
طب يستنوني.. يحصل ايه لو استنونى..
مفروض كان حاجة تحصل.. بس كدة لأ لأ

و لم يركز الشيخ أحمد في الصلاة... كان ذهنه.. مشغول و شارد... و كل فكره منصب علي شعوره الشديد بالإهانة..لأنه يصلي بين الناس...
و ركع الشيخ احمد الركعة الأولي...وفي هذا الجو الروحاني.. لصلاة الفجر ظن الشيخ احمد انه ربما يهدئ.. يزول عنه بعض الغضب..
الله اكبر
وقف الشيخ احمد مجددا لأداء الركعة الثانية.. وهو لا يزال في غضبه كما هو...
و فى لحظة.. سلم الشيخ احمد و هو واقف..من علي اليمين و اليسار...
لينهى صلاته.. قبل ان تنتهى الصلاة..
و ينسحب من جانب المصلين... ليخرج من المسجد...
و شعر بهواء بارد...على وجه..
و تردد للحظات قبل أن يضع يده على رأسه ليخلع عمامته... و يلقي بها بعيدا في ظلام الحارة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق